روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | دراسة التاريخ.. مشروع الأمة القادم وعامل نهضتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > دراسة التاريخ.. مشروع الأمة القادم وعامل نهضتها


  دراسة التاريخ.. مشروع الأمة القادم وعامل نهضتها
     عدد مرات المشاهدة: 3000        عدد مرات الإرسال: 1

دعا الكاتب والمؤرخ الدكتور راغب السرجاني لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي مرة أخرى، وتنقيته من الروايات الكاذبة، التي كُتب بعضها بأيدي مسلمين، في حين كُتب البعض الآخر بأيدي من زوَّروا التاريخ من المستشرقين.

أكد الدكتور راغب السرجاني في حواره مع موقع إسلاميات أن نسبة الشوائب والمعدومات من الصفحات السيئة في تاريخنا تتعدى الـ 90%.

مطالبًا بسرعة العمل على تنقية هذا التاريخ، وطرح رؤيته لإعادة صياغة العالم الإسلامي من جديد من خلال التاريخ الإسلامي، الذي رأى فيه المخرج مما نحن فيه، كما أطلق دعوته للكُتَّاب والمؤرخين إلى تقسيم العمل فيما بينهم لتنقية التاريخ.

حاورنا الدكتور السرجاني إلى ما ذهب إليه في مشروعه الكبير لإعادة كتابة التاريخ مرة أخرى من خلال ما يسمى بـ "قصة الإسلام بشكل جديد وشائق ومختصر"، كما حاورناه في ضرورة دراسة هذا التاريخ، خاصة أنّ واقعنا يحتاج لاستخلاص العبر من دراسته.

** في البداية سألناه حول القيمة التي يراها من خلال محاولته المستمرة للربط بين التاريخ والواقع المعيش؟

- إن الله ربط بين الواقع والتاريخ من خلال ما وضع فينا من خبرات كثيرة، وهناك سنن تحكم الكون والأرض، وقد عاش السابقون في هذه السنن وقد تفاعلوا معها، وقد كان للحوادث الكثيرة في الأزمنة والحقب المتعددة أثر لا بأس به من علو وإخفاق، ومن هذه النقطة كانت أهمية دراسة التاريخ، وأهمية الربط بينه وبين الواقع؛ حيث يعرفنا هذا حركة التاريخ وحركة صعود هذه الأمم وهبوطها.

وبالتالي تأتي أهمية الدراسة والربط بينه وبين الواقع في كون هذا الربط يعرِّفنا كيفية معالجة أخطائنا بشكل عام، والآليات التي تؤدي للصعود والهبوط من واقع الأمم التي حُكي عنها هذا التاريخ، ووضع الأمم حاليًا، وكيفية تلافيها لعوامل السقوط.


** ما أثر التاريخ والسيرة النبوية في واقع الأمة الإسلامية بعد غزو الثقافات الغربية لعالمنا العربية والإسلامي؟

- للسيرة والتاريخ أثر كبير في حياتنا، ولكن لا بد بداية من التفريق بينهم؛ فالسيرة النبوية لها خصوصيتها، حيث تمثل حياة النبيوكل ما خطاه الرسول بوحي من ربه، فكل ما خطاه كان بقدر من ربِّه؛ ولذلك فأثر ذلك على حياة الأمم إن طُبِّق معلوم من غير سؤال، أما أثر دراسة التاريخ فهو يحتاج إلى اجتهاد.

دعنا نتحدث عنه الآن، مع العلم أن ما من حدث يحدث في مجتمعنا الآن إلاَّ وله شبه في سيرة المصطفي؛ ولذلك كان قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

دراسة التاريخ تتركز في دراسة حقبة الخلفاء الراشدين؛ لأنها تمثِّل تطبيقات عملية لباقي الحقب، ولأنها تمثِّل حجر زاوية، وقد ذكر النبي: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". فقد كان في هذه الحقبة طرق الحل، وكيفية الخروج من الأزمة، بدايةً من جمع الصحابة للقرآن والفتنة الكبرى التي حدثت في عهدهم وحروب الردة وغيرها من الأمور.

فهذه الأزمات كانت غير موجودة أيام النبي، وقد تعلمنا كيف خرج منها هؤلاء الراشدون، وبذلك خرج لنا منهج متكامل وواضح للسيرة على هداه وطريقه، ثم يأتي بعد ذلك طريق التابعين من أبناء هذه الأمة؛ ليتركوا لنا كنزًا هائلًا من العبر والدروس التي نستفيد منها.

** كثير من الغربيين قرءوا تاريخنا قراءة خاطئة فهل من محاولة للتصحيح؟ وكيف تكون هذه المحاولة ناجحة؟

- للأسف الشديد تاريخنا زُوِّر بعناية عن طريق الكذب وسوء التأويل لأحداث وإغفال بعض الأحداث الأخرى، والطعن في الرموز الكبرى للمسلمين، وقد تم ذلك عن طريق بعض المستشرقين أو بعض أبناء جلدتنا بقصدٍ في أحايين، وبغير قصد في أحايين أخرى. ثم إن نيّة الغرب تجاهنا كانت واضحة في أواخر القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين.

وقد تعلّم بعض من أبناء المسلمين على أيديهم حتى وصل هذا التشويش والكذب إلى 90% من صفحات التاريخ الإسلامي؛ ولذلك هذا الجهد الخاص بتنقية هذا التاريخ يحتاج لأمّة وليس لمجهود فرد أو داعية وليس لدعاة؛ فالاقتصاديون عليهم دور وجهد ضخم وميزانيات من أجل تنقية هذا التاريخ، ويحتاج لإعلاميين يقومون بنشر هذا التاريخ الذي زور، ثم الدعاة والباحثين الذي يتولون الدور الشاق في التنقية، حتى يخرج لنا التاريخ بالشكل المرضيِّ.

** ما هي الدروس العمليّة التي يمكن تطبيقها والاستفادة منها، ومن ثَمّ الانطلاق بها نحو عالم يصنعه المسلمون بأيديهم، ويكونون فيه مؤثرين؟

- بناء الأمة أمر يبدو أمرًا شاقًّا، ولكن السير في هذا الطريق أمر في غاية السهولة، كما أن الوصول لمراميه أمر سهل أيضًا، لسببٍ بسيط أن الطريق تم تعبيده فأصبح واضحًا وضوحًا لا لبس فيه، وأحد المعالم الواضحة في هذا الطريق من خلال دراسة نقاط الانطلاق في حياة أمتنا.

وخاصة بعد أن كانت في ضعف فجاء قوّادها كي يحملوها إلى نصرٍ من خلال دراسة حقب النصر بداية من "ألب أرسلان"، و"يوسف بن تاشفين" و"عبد الرحمن الداخل" و"عمر بن عبد العزيز" و"صلاح الدين الأيوبي".

وغيرهم الكثير الذين يزخر بهم عالمنا الإسلامي؛ حيث سار هؤلاء من خلال منهج كان يتمحور حول القرآن والسنة، وفي المقدمة الأخذ بأسباب العلم ودراسة أحوال العدوِّ، وأوليات الأمة للتغير والوحدة على اعتبار أهميتها، وهذا منهج واضح نحو الرقي والنصر، وتبدو الأهمية في النظر لكيفية الابتداء وكيفية تطبيق المنهج.

** كيف يستفيد العالم الإسلامي من واقع التاريخ المعاصر؟ وما هي المحطات الرئيسة التي لا بد أن يتوقف عندها؟

- التاريخ المعاصر فيه محطات مهمة، ويبدأ هذا التاريخ من خلال مائتين سنة، ويظهر في تاريخ الاحتلال الذي ظهر في آخر هذه الحقبة، وهذه التجارب لن تتكرر كثيرًا؛ فكما احتُلّت مصر وتونس والجزائر، احتُلَّ أمامه الآن أفغانستان والعراق وغيرها، فالطريقة التي احتُلت بها هذه الدول تتكرر الآن؛ ولذلك فدراسة تجارب التحرر من العالم العربي أمر في غاية الأهمية.

ولا بدَّ مع ذلك من دراسة سقوط الخلافة العثمانية؛ لأنّ سقوطها أمر يحتاج إلى مراجعة، حيث كانت تضعف الخلافة في الماضي وبعدها تمر بمراحل قوة، ولأول مرّة تمر بمرحلة تسقط فيها، ولا يكون هناك بديل ضروري من دراسة عوامل السقوط بهذا الشكل، ونحتاج لذلك من دراسة ظهور القوى العالمية المؤثّرة كأمريكا وظهور الكيان الصهيوني، وكيفية التعايش معهما، أو كيف يتغلب المسلمون عليهم.

كما نحتاج أيضًا إلى دراسة حركات التغيير في العالم الإسلامي بشكل عام، ليس في العالم الإسلامي فقط وإنما في العالم أجمع، ومطلوب معرفة كيف تحررت رومانيا وبوليفيا وفنزويلا من استعمارهم، وكيف وصلت الحركات الإسلامية بنضجٍ كما حدث في تركيا واليمن والأردن.

** كيف يمكن لنا قراءة التاريخ الإسلامي بما يحويه من أفكار بناءة قادرة على إعادة بناء المجتمع مرة أخرى؟

- المسلمون لهم مدرسة في دراسة التاريخ، منهجنا يتبع القرآن والسُّنَّة، والطرق التي يتبعها ربُّنا والقواعد التي وضّحها في هلاك الأمم السابقة فيها من العبر والدروس؛ ولذلك تبدو أهمية دراسة تاريخ الأمم السابقة وليس الأمة الإسلامية فقط، ومن هنا تبدو أهمية دراسة العوامل المتعلقة بالقضية وإنتاج أفكار قادرة على بناء المجتمع.

** ما هي الأفكار التي ما زلتم ترونها بعيدة تمامًا عن البحث في السيرة، وتحتاج لمجهود عشرات المراكز البحثية حتى تنتفع الأمة بها ومن ثَمّ يكون التغيُّر؟

- التاريخ الإسلامي يدرس كحزمة واحده كبيرة، فنحن ندرس التاريخ السياسي فقط وهو على قدر أهميته فهو لا يمثل كل التاريخ، وهناك عناصر على قدر من الأهمية غير سرد التاريخ السياسي؛ كدراسة التاريخ الإيماني والعقائدي والترفيهي، حتى نعلم أننا نعيش بداخل أمة طبيعية متكاملة فيها كل معالم الأمور، وكل هذا بلا شك يحتاج لعشرات المراكز البحثية.

** ترتكب جرائم كثيرة في حق التاريخ، ويشترك في هذه الجرائم الباحثون الذين تخلّوا تمامًا عن تنقية هذا التاريخ، تُرى من وراء هذا الجرائم؟ وهل هي موجَّهة بالفعل؟

- جانب من هذه الجرائم لتزوير تاريخ المسلمين موجَّه بالفعل، والغرض منه قطع أواصر المسلمين بعضهم عن بعض، وهناك جانب آخر من المسلمين -ولا أقول: العلمانيون- يتعمّدون قطع هذا الطريق. وجانب آخر تبع شكلًا آخر عن طريق الحماسة الشديدة للدين، فيقوم بالتغاضي عن الأخطاء التي ارتُكبت في التاريخ الإسلامي ولا يذكر إلا الفضائل والحسنات، وبالتالي فهو يشارك في تزوير التاريخ.

ولا يعطي فرصة للاستفادة من هذا التاريخ، فيخرج التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ ملائكي منزَّه وليس تاريخ بشر، ويُظهِر التاريخ بذلك أنه تاريخ غير واقعي، فلا بد للباحث الأمين أن يدرس التاريخ بشقّيه، وكيف تعامل معه المسلمون بالشكل المنصف الذي يستفاد منه.

** كيف ترى نشاطك في مجال البحث والكتابة، وأثر ذلك في بناء الأمة؟ وهل ترى حلولًا مجدية ما زالت غير مطروقة في هذا الشأن؟

- لا يوجد شيء اسمه "حلول سحرية"، الناس تريد التغيير السريع، وهذا شيء غير واقعي ويحتاج تكاتفًا، وعن نفسي بدأت أنتج منتجات كثيرة في السيرة النبوية، وبدأت ذلك عن طريق مشروع "قصة الإسلام" من خلال السيرة النبوية وسير الراشدين والحديث عن تاريخ الأندلس.

** هل لكم مشاريع ترونَها مهمة في الوقت الحالي، وعلى جمهور الدعاة والباحثين في هذا الشأن اللجوء إليها؟

- من المشاريع الخاصة دراسة الحروب الصليبية والهجمة التي تعرّض لها العالم الإسلامي في حقبه التاريخية، واستنتاج العِبر والدروس من هذه الحقبة، وتطبيق ذلك على ما يتعرض له المسلمون الآن من هجمات مماثلة. ومن مشروعاتي أيضًا كتابة السيرة النبوية مجمّعة ومختصرة وموجزة في مجلد لا يقل عن ألف صفحة ولا يزيد تحت مسمى مشروع "قصة الإسلام".

** ماذا عن المشاريع العامة للدعاة والتي ترى أهمية من دراستهم لها؟ وهل أنت راضٍ عن مستوى الدعاة، وما يقدمون؟

- لا بد أن ينصرف هؤلاء الدعاة لدراسة التاريخ بشكل عام، ودراسة اللحظات التي انتقل منها المسلمون من ضعفٍ لقوة، ولا بُدَّ من دراسة حقب التتار والردّة والفتنة وملوك الطوائف، ودراسة من جاء ليصلح الأحوال، ويخرج هذه الأمة للنصر.

** هل تؤمن بضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بضوابط ومقاييس أخرى؟

- بلا شك لا بد من وضع عدد من الضوابط لدراسة العبر من واقع تاريخنا المعاصر، فللأسف كُتُب التاريخ تعمَّدت سرد قَصَص وحكايات، فخرج التاريخ عن مضمونه وأهميته في ضرورة استخلاص العبر والدروس؛ حيث يعدُّ أهم المقاييس التي لا بد أن يستند إليها الباحث عند تناوله لحقبة تاريخية ما.

الكاتب:  د. راغب السرجاني

المصدر: موقع إسلاميات